![]() |
لعنة الجبل: الملكة خنتكاوس: الفصل الثالث والعشرون |
بَدَأَ هَمَّامْ يُحَاوِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَدَمَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَوَجَدَ اَلْمَلِكَةُ خَنَتِكَاوِسْ تَقِفَ أَمَامَهُ وَهِيَ تَبْتَسِمُ لَهُ فَفَزِعَ فَزَعٌ شَدِيدٌ حَتَّى كَادَ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ اَلْمَكَانِ بِسُرْعَةِ مُتَّجِهًا نَحْوَ مَدْخَلِ اَلْكَهْفِ فَوَجَدَهَا أَمَامُهُ قَائِلَةٌ :
ـ لَا تَخِفُّ يَا هَمَّامْ أَنَا لَنْ أُؤْذِيَكُ فَقَطْ تُمْهِلُ وَأَنْتَظِر قَلِيلاً فَلَنْ تُغَادِرَ اَلْمَكَانَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَحَ لَكَ بِذَلِكَ
هَمَّامْ بَدَأَ يَسْتَعِيدُ بَعْضًا مِنْ اَلْهُدُوءِ حَتَّى يَعِيَ مَاذَا يَحْدُثُ لَهُ دَاخِلَ اَلْكَهْفِ وَهَلْ هَذَا اَلضَّوْءِ عِبَارَةً عَنْ رُوحِ خَنَتِكَاوِسْ أَجَابَتْهُ اَلْمَلِكَةُ قَائِلَةٌ :
ـ نَعَمْ أَنَا رُوحُ خَنَتِكَاوِسْ يَا هَمَّامْ كَمَا تَظُنُّ أَنْتَ
هَمَّامْ :
ـ وَكَيْفَ عَرَفَتْ أَنَّنِي أُفَكِّرُ فِي ذَلِكَ ؟
اَلْمَلِكَةُ :
ـ لَا تَنْسَيْنَ يَا هَمَّامْ أَنْ أَسْتَطِيعَ أَنْ أَفْعَلَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَأَعْرِفُ مَاذَا يَدُورُ فِي عَقْلِكَ فَلَا تُخْفِي يَا هَمَّامْ
بَدَأَ هَمَّامْ يَشْعُرُ بِالْأَمَانِ وَالْهُدُوءِ لِأَنَّهَا لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا لِفِعْلَتِهِ دُونِ أَنْ تَنْتَظِرَ شَيْئًا وَهُنَا بَدَأَ هَمَّامْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا بِتَأَمُّلِ حَيْثُ تَتَطَلَّعُ إِلَى مَلَامِحِهَا اَلْجَمِيلَةِ حَيْثُ اَلشِّعْرُ اَلْأَسْوَدُ اَلنَّاعِمُ اَلَّذِي يَتَدَلَّى خَلْفَ ظَهْرِهَا كَأَنَّهُ كَتِلْكَ اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي لَمْ يَسْطَعْ اَلْقَمَرُ فِي سَمَائِهَا وَالْبَشَرَةُ اَلْبَيْضَاءُ كَأَنَّهَا خَلَقَتْ مِنْ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ حَتَّى لَا تَسْتَطِيعُ اَلنَّظَرَ إِلَيْهَا لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ وَالْعُيُونَ ذُو اَللَّوْنِ اَلْأَخْضَرِ مِثْلٍ اَلزُّمُرُّدِ اَلْمُتَلَأْلِئِ تَحْتَ ضَوْءِ اَلشَّمْسِ .
شِعْرُ هَمَّامْ أَنَّ خَنَتِكَاوِسْ كَانَتْ اِمْرَأَةٌ رَائِعَةٌ اَلْجَمَالِ تَسَحَّرَ مِنْ يَقْتَرِبُ مِنْهَا مِنْ اَلرِّجَالِ فَهُوَ يَرَاهَا فَقَطْ رُوحَ مِنْ اَلضَّوْءِ وَقَدْ سَحَرَتْهُ بِجَمَالِهَا فَمُبَالٍ مَنْ عَاشَ بِجِوَارِهَا .
اِبْتَسَمَ خَنَتِكَاوِسْ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَتَذَكَّرَ هَمَّامْ أَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقْرَأَ أَفْكَارَهُ وَلَا بُدَّ أَنَّهَا فَهِمَتْ مَا كَانَ يَدُورُ فِي ذِهْنِهِ فَاحْمَرَّ وُجْهَةً وَنَكَّسَ رَأْسُهُ مِنْ اَلْخَجَلِ
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ أَشْكُرُكُ يَا هَمَّامْ عَلَى مَا فَعَلَتْهُ فَأَنَا كُنْتُ أَعْلَمُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ أَنَّكَ شَابٌّ ذَكِيٌّ وَسَوْفَ تَقُومُ بِتَصْحِيحِ مَا فَعَلَهُ أَجْدَادُكَ مَعِي مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ
هَمَّامْ :
ـ سَيِّدَتِي تِلْكَ اَللَّعْنَةِ مَرَّتْ عَلَى أَجْيَالٍ فِي اَلْقَرْيَةِ حَتَّى اَلْآنَ يَعِيشُونَ فِي رُعْبٍ وَخَوْفٍ وَلَا يَعْلَمُونَ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلُوا اَلصَّوَابُ وَلَكِنَّ اَلْحَظَّ كَانَ بِجِوَارِي فِي تِلْكَ اَللَّحْظَةِ
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ لَقَدْ فَعَلَتْ شَيْئًا عَظِيمًا لِي وَأُرِيدُ أَنْ أُكَافِئكُ يَا هَمَّامْ . . . أَخْبَرَنِي بِمَاذَا تُرِيدُ ؟
صَمْتُ هَمَّامْ وَلَمْ يَتَفَوَّهْ بِشَيْءِ بَلْ ظَلَّ صَامِتًا
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ أَخْبَرَنِي يَا هَمَّامْ مَاذَا تُرِيدُ ؟ هَلْ تُرِيدُ مُجَوْهَرَاتٍ أَوْ مَالٍ أَوْ سُلْطَةٍ ؟ فَقَطْ أَخْبَرَنِي يَا هَمَّامْ
هَمَّامْ :
ـ سَيِّدَتِي شُكْرًا لِكَيْ أَنَا لَا أُرِيدُ أَيُّ شَيْءِ مِنْ تِلْكَ اَلْأَشْيَاءِ فَأَنَا لَا أَطْمَعُ فِي اَلدُّنْيَا وَكُلِّ مَا أَبْتَغاهُ اَلْعَيْشَ بِهُدُوءِ مَرَّةً أُخْرَى وَتَعُود اَلْحَيَاةُ طَبِيعِيَّةً إِلَى قَرْيَتِنَا
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ عَجِيب أَمْرِكَ يَا هَمَّامْ فَأَنَا أَسْتَطِيعُ أَمْنَحُكُ قُوَّةً وَسِحْرًا لَا يُقَاوِمُهُ أَحَدٌ وَتَرْفُضُ كُلُّ ذَلِكَ ! ! ! ! ! ! !
هَمَّامْ :
ـ فَقَطْ لِي طَلَبٌ وَاحِدٌ يُثِيرُ فُضُولِيٌّ وَأَتَمَنَّى أَنْ تُخْبِرِينِيَ بِهِ حَتَّى لَا أَعِيشُ طَوَالُ حَيَاتِي أُفَكِّرُ فِيهِ
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ وَمَاهُوا يَا هَمَّامْ ؟
هَمَّامْ :
ـ لِمَاذَا اِخْتَرْتي هَذَا اَلْجَبَلِ لِتَسْكُنِي فِيهِ فِي حَيَاتِكَ وَبَعْدَ مَوْتِكَ ؟
خَنَتِكَاوِسْ :
ـ إِنَّهَا قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ يَا هَمَّامْ وَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَحْكِيهَا لَكَ فَلَكُ هَذَا يَا هَمَّامْ
اِبْتَسَمَ هَمَّامْ لَهَا اِبْتِسَامَةٌ بَسِيطَةٌ حَيْثُ كَانَ اَلتَّوَتُّرُ وَالْقَلَقُ مَا زَالُوا يُسَيْطِرُونَ عَلَيْهِ فَأَمَدَّتْ يَدُهَا نَحْوهُ قَائِلَةٌ :
ـ اِلْمِسْهَا يَا هَمَّامْ
هَمَّامْ شَعَرَ بِالْخَوْفِ بَلْ تَرَاجُعٌ لِلْخَلْفِ خَوْف مِنْ أَنْ يَلْمِسَ ذَلِكَ اَلضَّوْءِ اَلْعَجِيبِ اَلسِّحْرِيِّ فَرُبَّمَا يَحْدُثُ مَكْرُوهًا لَهُ .
اِبْتَسَمَ خَنَتِكَاوِسْ لَهُ قَائِلَةً :
ـ لَا تَخِفُّ يَا هَمَّامْ فَقَطْ اَلْمَسَّ يَدِي إِذَا كُنْتُ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ اَلْكَثِيرَ عَنْ حَيَاتِي وَحِكَايَتِي
كَانَ هَمَّامْ مُتَرَدِّدًا فِي اَلْبِدَايَةِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَمَا لَمَسَ ضَوْءُ يَدِهَا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَيْثُ وَجَدَ أَنَّ كُلَّ شَيْءِ حَوْلَهُ قَدْ اِخْتَفَى فَالْمَعْبَدُ وَالْجُدْرَانُ وَكُلُّ شَيْءِ تَبَدُّلِ حَيْثُ إِنَّهُ بَدَأَ يَشْعُرُ أَنَّهُ يَعُودُ بِالزَّمَنِ لِلْخَلْفِ بِسُرْعَة هَائِلَةٍ كَأنَ كُلُّ شَيْءٍ يَتَغَيَّرُ وَيَتَبَدَّلُ حَوْلَهُ بِطَرِيقَةِ مَا فَلَمْ يَشْعُرْ بِمَا يَحْدُثُ لَهُ حَتَّى تَوَقُّفِ اَلزَّمَنِ بِهُمْ فِي صَحْرَاءَ جَرْدَاءَ فَكَأَنَّهُ يُشَاهِد فِيلْمًا سِينَمَائِيًّا مِثْلَمَا تِلْكَ اَلْأَفْلَامِ اَلَّتِي كَانَ يُشَاهِدُهَا مَعَ مِسْتَرَ جِيمْسْ فِي دَارِ اَلسِّينَمَا بِالْأُقْصُرِ لَكِنْ مَعَ اَلْفَارِقِ مَا بَيَّنَ كَانَ يُشَاهِدُهُ فِي دَارِ اَلسِّينَمَا وَمَا يَعِيشُ بِدَاخِلِهِ مَعَ خَنَتِكَاوِسْ اَلْآنَ .
كَانَ يَشْعُرُ هَمَّامْ وَهُوَ يَلْمِسُ أَصَابِع خَنَتِكَاوِسْ أَنَّهُ يُشَاهِدُ فِيلْمًا مَا مَعًا لَكِنْ مَعَ اَلْفَارِقِ أَنَّ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ مَعَ جَمِيلَةٍ اَلْجَمِيلَاتِ خَنَتِكَاوِسْ وَلَيْسَ جِيمْسْ وَأَنَّ مَا يُشَاهِدُهُ مِثْل اَلْوَاقِعِ وَلَيْسَ بِاللَّوْنِ اَلْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ بَلْ يَشْعُرُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِدَاخِلِهِ بِجِوَارِ كُلِّ مَا يَحْدُثُ فَالْأَشْخَاصُ اَلَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ حَوْلِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ وَلَا بَخْنَتْكَاوِسْ فَمًا يَشْعُرُ بِهِ وَيُشَاهِدُهُ لَنْ يُصَدِّقَهُ أَحَدًا حَتَّى أَنَّهُ أَيْضًا لَا يُصَدِّقُ مَا يَرَاهُ وَهُوَ بِرُفْقَةِ خَنَتِكَاوِسْ .
نَظَرَتْ إِلَيْهِ خَنَتِكَاوِسْ قَائِلَةً :
ـ مِنْ تِلْكَ اَلصَّحْرَاءِ تَبْدَأُ اَلْحِكَايَةُ اَلَّتِي عَاشَتْ مُنْذُ آلَافِ اَلسِّنِينَ حَتَّى اَلْآنَ يَا هَمَّامْ تِلْكَ اَلصَّحْرَاءِ كَانَتْ اَلْبِدَايَةُ لِقِصَّةٍ لَمْ يَعْلَمْ أَبْطَالُهَا أَنَّهَا سَوْفَ تَبْقَى مِثْل تِلْكَ اَلْجِبَالِ صَامِدَةً وَلَا يَعْلَمُ عَنْهَا شَيْءٌ سِوَى مِنْ عَاشُوهَا أَوْ عَاصَرُوهَا فَقَطْ.
بقلم الكاتب الدكتور
محمد عبدالتواب
Post a Comment